نسب السيولة: شريان حياة الشركة ومقياس سلامتها المالية

هل تساءلت يومًا كيف تقيس صحة شركة ما في الأمد القصير؟ كيف تعرف إن كانت قادرة على دفع فواتيرها وقروضها المستحقة قريبًا؟ هنا يأتي دور **نسب السيولة** – تلك الأدوات السحرية التي تُعد بمثابة "فحص طبي" سريع للقدرة المالية الفورية لأي مشروع.

الأساس الذي تُبنى عليه السيولة

قبل الغوص في النسب، يجب أن نفهم حجر الأساس: الأصول والالتزامات المتداولة. إنها تخبرنا بما تملكه الشركة وما تدين به على المدى القصير (خلال عام واحد).

الأصول المتداولة

ممتلكات الشركة التي يُتوقع تحويلها إلى نقد أو استهلاكها خلال سنة واحدة.

  • النقد في الصندوق والبنوك
  • الاستثمارات قصيرة الأجل (أذون الخزانة)
  • المدينون (أموال العملاء المستحقة)
  • المخزون (مواد خام، بضاعة جاهزة)
  • مصروفات مدفوعة مقدماً

الالتزامات المتداولة

الديون والالتزامات المستحقة على الشركة والتي يجب سدادها خلال سنة واحدة.

  • الدائنون (أموال الموردين المستحقة)
  • قروض قصيرة الأجل
  • أقساط القروض طويلة الأجل المستحقة
  • مستحقات الموظفين والضرائب
  • إيرادات مستلمة مقدماً

اكتشف أهم نسب السيولة

نسبة التداول (Current Ratio): الصورة الشاملة للسيولة

الصيغة: نسبة التداول = الأصول المتداولة / الالتزامات المتداولة

هذه النسبة تجيب على السؤال البسيط: كم مرة تستطيع الأصول المتداولة للشركة تغطية التزاماتها المتداولة؟ كلما ارتفعت النسبة، زادت قدرة الشركة على مواجهة التزاماتها دون عسر.

حاسبة نسبة التداول

مثال حي: شركة "أمل" للأجهزة الكهربائية

لنفترض أن أصولها المتداولة = 500,000 جنيه، والتزاماتها المتداولة = 250,000 جنيه.

نسبة التداول = 500,000 / 250,000 = 2.0

التفسير: تمتلك شركة "أمل" أصولاً متداولة تساوي ضعف التزاماتها المتداولة. هذا يعطي إشارة مطمئنة بأن لديها وسادة سيولة جيدة.

تحذير هام وتفسير أعمق

الارتفاع المفرط ليس جيدًا دائمًا: نسبة عالية جدًا (مثل 4.0) قد تشير إلى عدم كفاءة في إدارة رأس المال. يعني أن الشركة تراكم نقداً أو مخزوناً فائضاً بدلاً من استثماره في مشاريع مربحة.

الانخفاض الشديد خطر كبير: نسبة أقل من 1.0 تعني أن التزامات الشركة تفوق أصولها المتداولة، وهي إشارة حمراء لخطر العسر المالي وصعوبة سداد الديون.

نسبة السيولة السريعة (Quick Ratio): اختبار الحمض الأكثر صرامة!

الصيغة: (الأصول المتداولة - المخزون) / الالتزامات المتداولة

هذه النسبة هي اختبار أكثر صرامة للسيولة الفورية، حيث تتجاهل المخزون لأنه قد يكون بطيء التحويل إلى نقد. إنها تجيب على سؤال: هل تستطيع الشركة سداد التزاماتها دون الحاجة لبيع مخزونها؟

حاسبة النسبة السريعة

مثال حي: شركة "أمل" مجدداً

أصول متداولة = 500,000، مخزون = 200,000، التزامات متداولة = 250,000.

النسبة السريعة = (500,000 - 200,000) / 250,000 = 1.2

التفسير: حتى بعد استبعاد المخزون، لا تزال شركة "أمل" تمتلك أصولاً سائلة تغطي التزاماتها 1.2 مرة. هذا وضع مريح جداً.

النسبة المعيارية

غالبًا ما يُنظر إلى نسبة **1:1 (أو 1.0)** على أنها نقطة مقبولة. أي أن الأصول الأكثر سيولة تساوي على الأقل الالتزامات المتداولة. المستثمرون المحافظون يفضلونها أعلى كهامش أمان.

نسبة السيولة النقدية (Cash Ratio): أقصى درجات الصرامة!

الصيغة: (النقد وما يعادله) / الالتزامات المتداولة

هذه هي النسبة الأكثر تحفظًا وتشددًا. تتجاهل كلاً من المخزون والمدينون (أموال العملاء)، و تجيب على السؤال: هل تستطيع الشركة سداد ديونها فورًا باستخدام النقد المتاح فقط؟ إنها تقيس القدرة على الصمود في أسوأ السيناريوهات.

حاسبة النسبة النقدية

مثال حي: شركة "أمل" للمرة الأخيرة

النقد وما يعادله = 150,000 جنيه، التزامات متداولة = 250,000 جنيه.

النسبة النقدية = 150,000 / 250,000 = 0.6

التفسير: تمتلك الشركة نقدًا يغطي 60% من التزاماتها الفورية. هذا قد يكون مقبولاً في شركات ذات دورة تحصيل سريعة، لكنه يتطلب مراقبة.

النسبة المعيارية

لا يوجد معيار صارم هنا، ولكن نسبة تتراوح بين **0.2 و 0.5** تعتبر غالبًا معقولة لمعظم الشركات. ارتفاعها الشديد قد يعني وجود أموال معطلة لا تدر عائدًا.

الخلاصة: السيولة.. توازن دقيق وقراءة متكاملة

نسب السيولة الثلاث ليست متنافسة، بل هي مكملة لبعضها البعض وتقدم منظورًا متدرجًا من الأوسع إلى الأكثر تشددًا. المحلل الذكي ينظر إليها جميعًا معًا.

  • نسبة التداول: تعطي صورة عامة أولية.
  • النسبة السريعة: تختبر القوة الحقيقية دون الاعتماد على المخزون.
  • النسبة النقدية: تكشف عن خط الدفاع الأخير في حالات الطوارئ.

تذكر دائمًا: قارن النسب مع متوسطات القطاع، وراقب اتجاهها عبر الزمن. السيولة الزائدة قد تكون مرضًا، والانخفاض الشديد خطر محدق. بفهم هذه الأدوات، أنت تمتلك جهاز قياس دقيق لنبض أي شركة.